التفكيك ليس بالصرورة عدم !!

بواسطة yahya

التفكيك ليس بالضرورة هدم!! 
بقلم/ محمد الكوري ولد العربي. 
اقتصر دور المعارضة و المعارضين خلال العقود الماضية على نقد عام لظواهر الفساد و تجلياته الفاضحة و بصماته الكاشفة  كظهور رجال أعمال من العدم فجأة، و انتشار حركة تشييد متزامنة للفلل و الشقق و الديبلكسات  و العمارات و ازدحام مدن البلاد بأنواع  السيارات الفارهة من مختلف الأطرزة و الأحجام و التصاميم التي لم يقتنها إلا  قلة من الأفراد في دول تصنيعها! هذا فضلا عن تواتر  الأخبار عن امتلاك المئات من العمارات و الشقق في المغرب و اسبانيا و السينغال و تركيا و فرنسا ... و كل هذه الطفرات المالية برزت عند موظفين عموميين، رواتبهم و امتيازاتهم محددة بالقانون!
و لقد ظل المفسدون  و لصوص المال العام في منأى  من الحرج أحرى  الخوف من دفع الثمن في غياب ما يدين قانونيا كالأدلة؛  و ما يحرج إعلاميا كالصحافة الاستقصائية؛ بل إن أغلب رموز الحركات السياسية و النخب المتطلعة للشهرة الاجتماعية، في ظل عجزها عن التغيير، ارتأت، تحت ذرائع مختلفة في العناوين و متحدة في المقاصد، أنه لا بأس في ظل العجز عن نفع القضايا الكبرى للدولة و الشعب من الانتفاع من تلك المبادئ الكبرى؛  على نحو ما سبقهم إلى ذلك السلف الأول من  المصلحين المستسلمين و الانتهازيين! 
غير أنه مع ظهور منظمة الشفافية و احتضانها لشخصيات نظيفة الأيدي و التاريخ  و التحول من ثقافة النقد الأفقي التعميمي الانطباعي إلى منهج الاستقصاء و الوقائع و الأرقام و التواريخ و الوثائق و التوقيعات و الأسماء ، فإن مزاج لصوص المال العام قد تحول ، هو أيضا، من حالة  اللامبالاة في الماضي إلى الشعور بالقلق و التوتر حيال هذه المطرقة الجديدة التي حسبوها معول هدم على جماجمهم و على كل ما بنوه من " شهرة سياسية" و ما انتزعوه من " مجد اجتماعي" منفوخ و مزيف بقوة المال المسروق و لم يرثوه عن آبائهم، و لم يبذلوا في سبيله من التضحية أكثر من توقيع خائن للأمانة أو سمسرة متواطئة أو إخفاء لأرقام، أو تغيير لأخرى ...! 
ثم إن العامل الآخر للقلق يتمثل   في ملاحظة بواكير صحوة مجتمعية بالضد من تيار الفساد و الفاسدين من لصوص المال العام  من شأنها ،إذا تواصل الطرق، أن تؤسس لثقافة يخشى اللصوص أن تهدم ، ليس فقط مصادر ثرواتهم الفاحشة، بل أيضا ستهدم نسقا تاريخيا و قيما مجتمعية بنوها ، خلال عقود من الانحراف المجتمعي، على أنقاض قيم الاستقامة و النزاهة في تسيير الشأن العام!  إن لصوص المال  العام  يتوجسون خيفة من انهيار أوهام الأفضلية الأبدية لأشخاصهم و أسرهم ، و على سطوة اليقين الذي رسخوه في أذهان العامة بأن بذخهم  لن يعرف نهاية! 
لذلك، نرى لصوص المال العام  و أنصارهم، المنتفعين من فتاتهم، يخوضون حربا على أكثر من جبهة: جبهة الإعلام، جبهة، المجتمع الغافل المغيب، جبهة القضاء، جبهة السياسة،...  
إنهم يحسبون كل صيحة ضد الفساد عليهم  من قبل " المهمشين" لتقويض مكانتهم المبنية من أموال اليتيم، و المريض، و الفقير، و المغبون، و المذعور...
إن مطرقة منظمة الشفافية ليس بالضرورة معول هدم شامل؛ بل أداة تفكيك لبنية و شبكات العيوب المختبئة في تضاعيف المجتمع و الدولة ، على منوال ما يقوم به البناء الماهر من تفكيك للأماكن الضعيفة و المهترئة في البناء  المتهالك... إنه يضرب بمطرقته في مظان الخور فيتهاوى المعيب منها و يبقى المنيع، و السليم...